مشاهد إنسانية
تسير سيدة ثلاثينية مرتدية عبائتها السوداء الكالحة ذات الخرز الذهبي الذي تساقط كثير منه بفعل الزمن، لكنه مازال يعكس بعضاً من أشعة الشمس، فتلتفت الأنظار إليها رغم بساطة مظهرها.
تحمل علي أحد كتفيها شنطة مدرسية صغيرة، و في يدها الآخري تمسك بيد صغيرتها التي تصارع ملامحها الطفولية للبقاء علي وجهها رغم الضغوط التي تواجهها يومياً لإنتزاعها.
ضفيرتها الغير متساوية و قميصها المدرسي المهلهل كفيلان للإجابة عن سؤال أمها لها "كيف كان يومك في المدرسة؟".
يشقان طريقهما للخروج من محيط المدرسة وسط صخب أصوات الأطفال حولهما، و صياح سائقي الأتوبيسات المدرسية التي يكتظ بها الطلاب حتي يكاد يتساقط بعضهم من النوافذ.
سكنت جميع الأصوات في رأس الأم فهي سارحة في واديها الخاص، تفكر هل سيكفيها بقايا طعام الأمس لإعداد غذاء اليوم.
ام عليها أن تمر علي السوق لتشتري بعض الخضروات، تلك الفكرة كانت كفيلة لإرهاق عقلها بعاصفة من العمليات الحسابية "لو اشتريت النهاردة المرتب هيكفي الايجار؟" ، "اشتري و خلاص المهم العيال تاكل و بعدين ربنا يحلها" ، طيب و فلوس الجمعية!".
و غيرهم الكثير من الأفكار التي كانت لتراودها أثناء إرتشافها لكوب الشاي ليلاً لولا أزمة نقص السكر هذه الأيام.
مما جعل ملامحها السمراء يعتليها الاجهاد، تشبه غالباً ما ستأول إليه ملامح ابنتها يوماً.
حتي قطع حبل أفكارها صوت الأجراس التي تعلن قدوم المترو، لتندفع هي و ابنتها داخل عربة السيدات محاولين إيجاد متسع لتثبيت أقدامهم وسط الزحام كبير من نماذج كثيرة لأناس تشابهم،و كأنهم يتشاركون نفس الأفكار رغم عدم إفصاحهم عنها.
ثم أغلق باب المترو ماضياً إلي وجهته لتنغلق القصة و يتواروا عن الأنظار.

https://fekra.media/archives/188087

Comments

Popular posts from this blog